فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة علي الناس ضحي، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخري علي إثرها قريبا.
وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال.. قلنا يا رسول الله: وما لبثه في الأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا، أقدروا له.
ومن الأمور العجيبة أن يأتي العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين ليؤكد أنه قبل تغيير اتجاه دوران الأرض حول محورها أمام الشمس ستحدث فترة اضطراب نتيجة لتباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها، وفي فترة الاضطراب تلك ستطول الأيام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك.
ويعجب الإنسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءة المصطفي صلى الله عليه وسلم وما أثبته العلم التجريبي في أواخر القرن العشرين، والسؤال الذي يفرض نفسه: من الذي علم ذلك لهذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلي مثل هذه القضايا الغيبية التي لم تكن معروفة في زمن الوحي؟ ولا لقرون من بعده؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلي اكتشاف تلك الحقائق الكونية فتكون هذه الإشارات المضيئة في كتاب الله وفي أحاديث خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم شهادة له بالنبوة وبالرسالة، في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه.

.خطأ شائع يجب تصحيحه:

يظن بعض الناس أننا إذا أدركنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء عددا من معدلات التغيير الآنية في النظام الكوني الذي نعيش فيه فإنه قد يكون من الممكن أن نحسب متي ينتهي هذا النظام، وبمعني آخر متي تكون الساعة...!!
وهذا وهم لا أساس له من الصحة لأن الآخرة لها من السنن والقوانين مايغاير سنن الدنيا، وأنها تأتي فجأة بقرار إلهي كن فيكون، دون انتظار لرتابة السنن الكونية الراهنة التي تركها لنا ربنا تبارك وتعالى رحمة منه بنا، إثباتا لإمكان حدوث الآخرة، وقرينة علمية علي حتمية وقوعها والتي جادل فيها أهل الكفر والإلحاد عبر التاريخ، والذين كانت حجتهم الواهية الإدعاء الباطل بأزلية العالم، وهو ادعاء أثبتت العلوم الكونية في عطاءاتها الكلية بطلانه بطلانا كاملا...!!!
فعلي سبيل المثال- لا الحصر- تفقد شمسنا من كتلتها في كل ثانية علي هيئة طاقة مايساوي 4،6 مليون طن من المادة أي نحو أربعة بلايين طن في اليوم، ونحن نعرف كتلة الشمس في وقتنا الحاضر فهل يمكن لعاقل أن يتصور إمكان استمرار الشمس حتي آخر جرام من مادتها؟ وحينئذ يمكن بقسمة كتلة الشمس علي ما تفقده في اليوم أن ندرك كم بقي من عمرها؟
هذا كلام يرفضه العقل السليم، لأن الساعة قرار إلهي غير مرتبط بفناء مادة الشمس، وإن أبقي لنا ربنا تبارك وتعالى هذه الظاهرة من الإفناء التدريجي للشمس، ولغيرها من نجوم السماء دليلا ماديا ملموسا علي حتمية الآخرة، أما متي تكون؟ فهذا غيب مطلق في علم الله، لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى.
وبالمثل فإن الحرارة تنتقل في كوننا المدرك من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة، ويفترض قانون انتقال الحرارة استمرارتلك العملية حتي تتساوي درجة حرارة كل أجرام الكون وينتهي كل شيء، فهل يمكن لعاقل أن يتصوراستمرار الوجود حتي تتساوي درجة حرارة كل الأجرام في الكون، أم أن هذا قرار إلهي: كن فيكون غير مرتبط بانتقال الحرارة من الأجسام الحارة إلي الأجسام الباردة، وإن أبقاها الله تعالى قرينة مادية ملموسة علي حتمية الآخرة؟ وعلي أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليا ولا أبديا، فقد كانت له بداية، ولابد أن ستكون له في يوم من الأيام نهاية؟ وهذا ما أثبتته جميع الدراسات العلمية في عصر تفجر المعرفة الذي نعيشه، وأن تلك النهاية لن تتم برتابة الأحداث الدنيوية في الجزء المدرك من الكون، بل هي قرار إلهي فجائي لا يعلم وقته إلا الله سبحانه وتعالي ولذلك أنزل لنا في محكم كتابه قوله الحق مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلاهو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187].
كما أنزل سبحانه وتعالى كذلك في المعني نفسه: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلي ربك منتهاها * إنما أنت منذر من يخشاها * كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} (النازعات: 42- 46).
وعلي ذلك جاء رد المصطفي صلى الله عليه وسلم علي جبريل عليه السلام حين سأله في جمع من الصحابة: فأخبرني عن الساعة؟ بقوله الشريف: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
فسبحان الله الذي أنزل القرآن الكريم بالحق، أنزله بعلمه، وجعله معجزة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم إلي قيام الساعة، وجعله مهيمنا علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها في كل أمر ذكر فيه، وجعل كل آية من آياته، وكل كلمة من كلماته، وكل حرف من حروفه، وكل إشارة، ودلالة، ووصف فيه مما يشهد بأنه كلام الله الخالق، ويشهد للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة الخاتمة. اهـ..

.تفسير الآية رقم (55):

قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر تعالى تفرده بالخلق والأمر المقتضي لتفرده بالعبادة للتوجيه إلى تحصيل المعارف النفسانية والعلوم الحقيقية، أمر بهذا المقتضى اللائق بتلك المعارف، وهو الدعاء الذي هو مخ العبادة فقال: {ادعوا ربكم} أي الدائم الإحسان إليكم دعاء عبادة وخضوع {تضرعًا} أي تذللًا ظاهرًا {وخفية} أي وتذللًا باطنًا، وقد أثنى على عبده زكريا عليه السلام فقال: {إذ نادى ربه نداء خفيًا} [مريم: 3] أي اجمعوا إلى خضوع الظاهر خضوع الباطن، أي أخلصوا له العبادة، إنه يحب المخلصين لأن تفرده بأن يدعى هو اللائق بمقام عز الربوبية، والتذلل على هذه الصفة هو اللائق بمقام ذل العبودية، وهذا هو المقصود من الدعاء لا تحويل العلم الأزلي، وهو المقصود من جميع العبادات، فإن العبد لا يدعو إلا وقد استحضر من نفسه الذل والصعب والحاجة، ومن ربه العلم والقدرة والكفاية، وهذا هو المقصود من جميع العبادات، فلهذا كان الدعاء مخ العبادة، وقد جمع هذا الكلام على وجازته كل ما يراد تحقيقه وتحصيله من شرائط الدعاء بحيث إنه لا مزيد عليه، ومن فعل خلاف ذلك فقد تجاوز الحد، وإلى ذلك أومًا بتعليله بقوله: {إنه لا يحب المعتدين} أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وغيره، قالوا فالمعنى أن من ترك هذا لا يحبه الله، أي لا يثيبه ألبتة ولا يحسن إليه، فالآية من الاحتباك آخرها يدل على حذف ضده من صدرها، وصدرها يدل على أنه حذف قبل الآخر: ولا تتركوا الإخلاص تكونوا معتدين. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الدالة على كمال القدرة والحكمة والرحمة، وعند هذا تم التكليف المتوجه إلى تحصيل المعارف النفسانية، والعلوم الحقيقية، أتبعه بذكر الأعمال اللائقة بتلك المعارف وهو الاشتغال بالدعاء والتضرع، فإن الدعاء مخ العبادة، فقال: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {ادعوا رَبَّكُمْ} فيه قولان:
قال بعضهم: اعبدوا وقال آخرون: هو الدعاء، ومن قال بالأول عقل من الدعاء أنه طلب الخير من الله تعالى، وهذه صفة العبادة، لأنه يفعل تقربًا، وطلبًا للمجازاة لأنه تعالى عطف عليه قوله: {وادعوه خَوْفًا وَطَمَعًا} والمعطوف ينبغي أن يكون مغايرًا للمعطوف عليه.
والقول الثاني هو الأظهر، لأن الدعاء مغاير للعبادة في المعنى.
إذا عرفت هذا فنقول: اختلف الناس في الدعاء، فمنهم من أنكره واحتج على صحة قوله بأشياء: الأول: أن المطلوب بالدعاء إن كان معلوم الوقوع كان واجب الوقوع لامتناع وقوع التغيير في علم الله تعالى، وما كان واجب الوقوع لم يكن في طلبه فائدة، وإن كان معلوم اللاوقوع كان ممتنع الوقوع فلا فائدة أيضًا في طلبه.
الثاني: أنه تعالى إن كان قد أراد في الأزل إحداث ذلك المطلوب، فهو حاصل سواء حصل هذا الدعاء أو لم يحصل، وإن كان قد أراد في الأزل أن لا يعطيه فهو ممتنع الوقوع فلا فائدة في الطلب، وإن قلنا أنه ما أراد في الأزل إحداث ذلك الشيء لا وجوده ولا عدمه، ثم إنه عند ذلك الدعاء، صار مريدًا له لزم وقوع التغير في ذات الله وفي صفاته، وهو محال.
لأن على هذا التقدير: يصير إقدام العبد على الدعاء علة لحدوث صفة في ذات الله تعالى، فيكون العبد متصرفًا في صفة الله بالتبديل والتغيير، وهو محال.
والثالث: أن المطلوب بالدعاء إن اقتضت الحكمة والمصلحة إعطاءه، فهو تعالى يعطيه من غير هذا الدعاء لأنه منزه عن أن يكون بخيلًا وأن اقتضت الحكمة منعه، فهو لا يعطيه سواء أقدم العبد على الدعاء أو لم يقدم عليه.
والرابع: أن الدعاء غير الأمر، ولا تفاوت بين البابين إلا كون الداعي أقل رتبة، وكون الآمر أعلى رتبة وإقدام العبد على أمر الله سوء أدب، وإنه لا يجوز.
الخامس: الدعاء يشبه ما إذا أقدم العبد على إرشاد ربه وإلهه إلى فعل الأصلح والأصوب، وذلك سوء أدب أو أنه ينبه الإله على شيء ما كان منتبهًا له، وذلك كفر وأنه تعالى قصر في الإحسان والفضل فأنت بهذا تحمله على الإقدام على الإحسان والفضل، وذلك جهل.
السادس: إن الإقدام على الدعاء يدل على كونه غير راض بالقضاء إذ لو رضي بما قضاه الله عليه لترك تصرف نفسه، ولما طلب من الله شيئًا على التعيين وترك الرضا بالقضاء أمر من المنكرات.
السابع: كثيرًا ما يظن العبد بشيء كونه نافعًا وخيرًا، ثم أنه عند دخوله في الوجود يصير سببًا للآفات الكثيرة والمفاسد العظيمة، وإذا كان كذلك كان طلب الشيء المعين من الله غير جائز، بل الأولى طلب ما هو المصلحة والخير، وذلك حاصل من الله تعالى سواء طلبه العبد بالدعاء أو لم يطلبه.
فلم يبق في الدعاء فائدة.
الثامن: أن الدعاء عبارة عن توجه القلب إلى طلب شيء من الله تعالى، وتوجه القلب إلى طلب ذلك الشيء المعين يمنع القلب من الاستغراق في معرفة الله تعالى، وفي محبته، وفي عبوديته، وهذه مقامات عالية شريفة، وما يمنع من حصول المقامات العالية الشريفة كان مذمومًا.
التاسع: روي أنه عليه الصلاة والسلام قال حاكيًا عن الله سبحانه: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» وذلك يدل على أن الأولى ترك الدعاء.
العاشر: إن علم الحق محيط بحاجة العبد، والعبد إذا علم أن مولاه عالم باحتياجه، فسكت ولم يذكر تلك الحاجة كان ذلك أدخل في الأدب، وفي تعظيم المولى مما إذا أخذ يشرح كيفية تلك الحالة، ويطلب ما يدفع تلك الحاجة، وإذا كان الحال على هذا الوجه في الشاهد، وجب اعتبار مثله في حق الله سبحانه، ولذلك يقال أن الخليل عليه السلام لما وضع في المنجنيق ليرمى إلى النار.
قال جبريل عليه السلام ادع ربك.